الدكتاتورية في العصر الحديث الحلقة ( 1 ) / بقلم علي عافه إدريس ـ الدوحة
نشر من قبل omaal في 18-08-2009

الدكتاتورية في العصر الحديث

دراسة نموذجها التطبيقي أسياس أفورقي

الحلقة ( 1 )

علي عافه إدريس ـ الدوحة

aliafaa@yahoo.com

 

تمهيد :

 قد أعجبني قول الكواكبي رحمة الله عليه((المستبد عدو الحق ، عدو الحرية و قاتلها  و الحق أبو البشر و الحرية أمهم  و العوام  صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا والعلماء هم إخوتهم الراشدون  أن أيقظوهم هبوا و إن دعوهم لبوا و إلا فيتصل نومهم بالموت ))وكذلك قوله الآخر((المستبد يتجاوز الحد ما لم يرى حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم ، كما يقال : الاستعداد للحرب يمنع الحرب)) .

 تكمن أهمية دراسة موضوع الدكتاتورية في نقطتين ، أولهما أننا حالياً نعاني من أسوأ أنواع الدكتاتوريات، لذا ربما تفيدنا هذه الدراسة في معرفة الأسباب التي كانت وراء وصول دكتاتور لسدة الحكم في دولة عانى شعبها ما عانى ، و معرفتنا تلك قد تعجل بخلاصنا من الإسترقاق ، أما النقطة الثانية الاحتياط لعدم وصول دكتاتور آخر لسدة الحكم عند الانتهاء من هذا .

 عموماً موضوعي هذا يتميز بكثرة مراجعه سواء في المكتبات أو شبكة الأنترنيت ،وكثرة المراجع مع ضيق الوقت المتاح لدراستها يؤدي للإرباك ، وفي النتيجة النهائية يتولد لديك إحساس من يعاني شح في المراجع على الرغم من كثرتها، وهذا بالضبط ما حدث معي،  وحتى لا أطيل عليكم لم أكثر من المراجع ،و إبتعدت قدر الإمكان عن الإطالة والاستغراق ، و قسمت بحثي هذا إلى خمسة مباحث هي :*ماهية الدكتاتورية * البيئة الإجتماعية الحاضنة ودورها في تشكيل شخصية الدكتاتور* السمات الشخصية للفرد المؤهل ليكون دكتاتور * البطانة المحيطة بالدكتاتور * سمات الشعب المحكوم .

  المبحث الأول :

ماهية الدكتاتورية :

         في البدء كانت السلطة المستمدة من الله أو ما يعرف بنظرية الحق الإلهي في السلطة (الثيوقراطية ) وقد قامت عليها السلطة في معظم الديانات القديمة والملكيات المطلقة ، وتقوم هذه النظرية على أن الله يختار من يشاء لممارسة السلطة ، فالحاكم يستمد سلطته من الله ، لذلك تعلو إرادته إرادة  المحكومين ، وقد سادت هذه النظرية قديماً في كل من مصر والصين وفارس ، حتى بعد ظهورالمسيحية ، وقد إتخذت ثلاث صور رئيسية ، وأول هذه الصور هى التي إعتبر فيها الحاكم من طبيعة إلهية ، أما الصورة الثانية هي الصورة التي رافقت ظهور المسيحية  و هي التي إعتبر فيها الحاكم إنسان إلا أنه يستمد سلطته من الله (كانت السلطة للكنيسة) ، أما الصورة الثالثة فهي التي إعتبر فيها الحاكم إنسان إلا أن الله إصطفاه وأودعه سلطته ، إلا أن كل هذه الصور بدأت بالإندثار في العصور الوسطى بعد أن إشتد النزاع بين الكنيسة وملوك أوربا .

       يروى أنّ ملك فرنسا لويس الخامس عشر وقف في الثالث من آذار )مارس( 1716م أمام برلمان باريس قائلاً  ((في شخصي وحده تجتمع السلطة، و لي وحدي تعود السلطة التشريعيّة دون منازع أو حسيب ، النظام العام بمجمله يستمدّ وجوده من وجودي ، و أنا حاميه الأول، شعبي و أنا واحد ، حقوق و مصالح الأمّة التي يجرؤون على جعلها جسماً منفصلاً عن الملك، هي بالضرورة، متّحدة بحقوقي و مصالحي أنا ، و لا ترتاح إلاّ بين يدي))[1] وهو بهذه  الكلمات المحددة قد وصف نفسه وصفاً صادقاً ووصف غيره من الذين سبقوه والذين ساروا على نفس نهجه من زعماء الإستبداد  والطغيان .

يقول الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في فصل ما هو الاستبداد في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد معرفا((لغة هو غرور المرء برأيه و الأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي و الحقوق المشتركة . و في اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة و بلا خوف تبعة وقد قد تطرأ مزيدات على هذا المعنى الاصطلاحي فيستعملون في مقام كلمة  ( استبداد ) كلمات: استعباد و تسلط  وتحكم ، و في مقابلتها كلمات :مساواة و حس مشترك وسلطة عامة ،و يستعملون في مقام صفة   )مستبد)  كلمات جبار طاغية و حاكم بأمره وحاكم مطلق ، و في مقابلة   حكومة مستبدة ) كلمات : عادلة و مسئولة  و مقيدة و دستورية ، و يستعملون في مقام وصف الرعية (المستبد عليهم ) كلمات : أسرى و مستصغرين , و بؤساء ، و مستنبتين ، و في مقابلتها : أحرار  و أباة . و أحياء   و أعزاء .

و أما تعريف الاستبداد بالوصف لا بالمترادفات و المتقابلات فهو أن الاستبداد صفة  للحكومة المطلقة العنان فعلا أو حكما التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين))[2]

 و تعرفها الموسوعة الحرة (ويكيبيديا)[3] كالأتي : الدكتاتورية هي شكل من أشكال الحكم تكون فيه السلطة مطلقة في يد فرد واحد )دكتاتور (وكلمة دكتاتورية من الفعل (dictate) أي يملي والمصدر (dictation) أي إملاء وهنالك استخدامين لمفهوم الدكتاتورية حسب ما جاء في الموسوعة الحرة :

    *       الاستخدام الأول :الدكتاتور الروماني وقد كان منصبا سياسيا في حقبة الجمهورية الرومانية القديمة وقد اختص الدكتاتور الروماني بسلطة مطلقة زمن الطوارئ، وقد كان عليه أن يحصل على تشريع مسبق من مجلس الشيوخ بمنحه هذا المنصب.

   *      الاستخدام الثاني: وهو المعاصر للكلمة والذي يشير إلى شكل من الحكم المطلق لفرد واحد دون التقيد بالدستور أو القوانين أو أي عامل سياسي أو اجتماعي داخل الدولة التي يحكمها.

   وقد عرفها أيضاً مجمع اللغة العربية بقوله : حكم الفرد أو الجماعة دون الإلتزام بطريق أو بأخر ، فيحكمون الناس بما يخالف مقاصدهم ومصالحهم ، أي أن هذه الحاكم فرداً أو جماعة لا هم لهم ولا غاية من الحكم إلا تحقيق مصالحهم وذويهم ، والتنكيل بخصومهم والنيل منهم ليدوم لهم الحكم والسلطان .

  أما بالنسبة لفترة ظهور الدكتاتورية في العصر الحديث : فيمكن تقسيمها إلى فترتين ، الأولى بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وهي الفترة التي ظهرت فيها الأنظمة الشمولية والتي إتسمت حسب رأي الليبراليين بالأنظمة ذات الحزب الواحد ، ووتتم تعبئة الجماهير فيها بأيدلوجية النظام الحاكم ، والسيطرة على وسائل الإعلام  ، وكذلك السيطرة على وسائل الإنتاج الإقتصادي ، والإستخدام التعسفي للقوة الأمنية ، أما الفترة الثانية هي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ، وهي الفترة التي إتسمت فيها معظم أنظمة الحكم في العالم الثالث بالطابع العسكري ، والبعض الآخر بالشيوعي أو الإشتراكي ، والفترة الثانية لظهور الدكتاتوريات في العصر الحديث لازالت مستمرة في إفرازها للدكتاتوريات .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1]  السلطة السياسيّة   جان وليام ، ترجمة إلياس حنّا إلياس، منشورات عويدات، باريس /بيروت، الطبعة الثالثة 1983م، ص 142.

[2] طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ـ عبد الرحمن الكواكبي ـ دار النفائس ـ 2006م  ص122

[3]  الويكيبيديا (الموسوعة الحرة )