أيام لا تنسى / من ذكريات المناضل محمد على إدريس أبو رجيلا / الحلقة الثالثة عشر
نشر من قبل omaal في 06-12-2009

                أيام لا تنسى

 من ذكريات المناضل محمد على إدريس أبو رجيلا

الحلقة الثالثة عشر

حركات الجنود ــ الإصلاح ــ الكسر

في النصف الثاني من عام 1968م بدأت موجة من التحركات داخل وحدات الجبهة وأحدثت هذه التحركات شروخاً وتصدعات في جسد التنظيم كما حدثت موجة من التسليم للعدو وخاصة في المنطقة الخامسة والتي سلم منها عشرات الجنود للقنصلية الإثيوبية في كسلا وفي الميدان وكان على رأس المسلمين قائد المنطقة الخامسة والداي كحساي وكانت المنطقة تعاني أصلاً من ظروف صعبة على كل الأصعدة وإزداد الأمر تعقيداً بتسليم قائد المنطقة وجرت مطاردة للجنود الفارين بالسلاح من الميدان وهنا تم إستدعاء نائب المنطقة ( حشال عثمان) وتركت المنطقة لقائد السرية الأولى المناضل على جامع عامر ولقائد السرية الثانية المناضل قبر هوت ودي حمبرتي الذي إنضم في بدايات الثورة للمناضلين في جيش التحرير من مدينة تسني  وكان علي جامع وقبر هوت  من الأبطال ومن الرجال بعيدي النظر ، وترافق إضطراب المنطقة الخامسة مع حدوث معاناة وضغط عسكري كبير في المنطقة الثالثة والتي كان يقودها المناضل عبد الكريم أحمد ونائبه حامد جمع الذي أستشهد فخلفه المناضل حامد صالح سليمان ، ونتيجة لهذه الأحداث ولأوضاع الجنود المرضى والمجازين في السودان نشأت حركة إحتجاج على الأوضاع بين الجنود كانت تطالب بإصلاح أوضاع الجنود وحل إشكالاتهم المعيشية والسكنية والصحية ثم تطور برنامج الى الدعوة الى وحدة مقاتلي الثورة وخلط الجيش ومركزية القيادة والعمل العسكري وإلغاء المناطق العسكرية وعزل قادتها بل وإستبدال قادة السرايا وكان هذا التشدد إنعكاساً للمعاناة وإشتد ساعد هذه الحركة عندما تمكن جنود السرية الثالثة بقيادة صالح أبو بكر من إقناع قائدهم حاج موسى على سمرة بالتنحي وإمتثل لرغبتهم وغادر الميدان فتحولت هذه السرية الى رأس رمح لحركة الجنود وكان ابرز الفاعلين في حركة الجنود صالح أبو بكر آدم ، إبراهيم قطوب ، حامد شريف ، أحمد بن عامراي ، ودقشش ، إبراهيم شاكا ، محمد عبد الله ود سيدنا ، محمد نور حربوي ، عثمان عبد الله موسى ، شيكاي إبراهيم ، موسى إبرهيم وعدد كبير من جنود السرايا الأخرى وكانت مطالب هذه الحركة مكان إجماع بين الجنود وإنطلقت هذه الحركة من مقر الجنود في كسلا حلة حلوف ( العامرية ) الى الميدان وسرت دعوتها كسريان النار في الهشيم لأنها كانت إنعكاساً لمعاناة حقيقية ومرصودة وبينما كانت حركة الجنود تنقص على قادة المناطق وخاصة المنطقة الأولى مركز الحركة نشأة حركة أخري بموازاتها بقيادة كل من عثمان حسن عجيب ، عثمان إزاز ، عبد الله سليمان وكانت تطرح نفس المطالب وإستفادت من حركة الجنود وعملت على تطويرها لتكون أرضية للمزيد من الإصلاح وكانت دعوة حركة الإصلاح تدعو لتشكيل قيادة ميدانية وسياسية ومركزية واحدة وإدارة جيش التحرير من مركز قيادي واحد عسكرياً ومالياً وإدارياً وكذلك العمل الجماهيري والسياسي وإلغاء هذا التعدد القيادي والذي خلق تضارب وصراعات لامعنى لها وبعد فترة إندلعت حركة أخرى وهي حركة الكسر وكانت هذه الحركة بزعامة كل من على كرار حاج صالح وموسى علي شولي ومحمد إدريس كلباي وعلي إدريس نور وكانوا هؤلاء يعتقدون أن المناطق العسكرية قد فصلت قيادتها على أسس إجتماعية وقبلية وإزدادت قناعتهم بفعل الدعاية الكثيفة لهذا المنطق من البعض وخاصة من أحد أعضاء المجلس الأعلى بهدف إيجاد مركز قوة يقف الى جانبه ولهذا تشدد هؤلاء في المطالبة بإنشاء منطقة للكسر كما طــالبوا بإعلان محافظة  مديرية وكانت كل هذه المطالب إنعكاس لتململ الجنود، وكان واقع الجنود في تلك الفترة على النحو التالي كان الجندي يأخذ مبلغ 5 قروش في اليوم والجندي من أبناء الهضبة يأخذ 10 قروش ثم رفع المبلغ لريال و 25قرشاً للجندي من كبسا وكانت الحجة لتبرير هذا التفاوت أن هؤلاء لا معارف أو أقارب  لهم في السودان ولهذا قد لا يجدوا إعانة من أحد وكان القرار عاطفياً فهو لم يأخذ بعين الاعتبار وحدة النظر لجميع الجنود بالإضافة لمبرر الزيادة لم يكن واقعيا ًولم يكن مطابقاً للواقع بالنسبة لبقية الإرتريين إذ أن أعداد المواطنين الإرتريين كانت قليلة من كافة المكونات الإرترية وليس أهل كبسا فحسب ولهذا فإن ذلك التمييز كان خاطئاً وأعطى رسالة خاطئة للمستهدفين أتت بمفعول عكسي وحدثت ردود أفعال من الجنود الآخرين وأمام هذه التناقضات دعونا لعقد مؤتمر تفا كري ( كانت الفكرة من المنطقة الخامسة )  لقادة المناطق وكانت المنطقتين الخامسة والثالثة تعانيان الأمرين وقد تقرر مساندة المنطقتين وكلفت فصيلة من سريتنا ( الرابعة ) بمساندة وتعزيزها والتخفيف على المنطقة الخامسة وتقرر الدعوة لمؤتمر في عردايب إلا أنه لم يعقد في موعده لتخلف المنطقتين الثانية والرابعة ، دخلت في إجازة لمدينة كسلا  وبالنظر للاضطراب الداخلي كنا ترتاب من أية دعوة وقد وصلتني رسالة تدعوني لاجتماع في حي أبو خمسة وعلمت أن ذات الدعوة وجهت لكل من محمود ديناي وعثمان محمد إدريس أبو شنب ومحمد علي كشه وكانت مواقفنا من الأحداث متقاربة لحد ما ولهذا دخلنا الشك من هذه الدعوة وعندما علمنا الجهة التي دعت لذلك اللقاء قررنا عدم تلبية الدعوة وإعتقدنا أن الأمر ليس أكثر من إستدراج لاعتقالنا وخرجنا للميدان لمعالجة القضايا العالقة جذرياً  وصلت موقع السرية وهناك وجدت إضطراب كبير وكان ذات الواقع في بقية الوحدات المقاتلة وكانت الحركة من لجان الجنود وفي سريتنا تقدم إلي الأخوة بالتحية العسكرية ثم قال لي أحد الجنود وكان من لجان الجنود أنت سوف تعتقل ونحتفظ بك بعد تجريدك من المنصب فسألته ما هو السبب وما هي الجريمة التي تعتقلوني بسببها وتتحفظون علي فلم يرد فقلت إذا كان الاعتقال أمراً لابد منه فهذا يتم في الجيش وفق قواعد وبواسطة رتبة أعلى أو معادلة لرتبة المعتقل وإلا يعتبر الأمر مجرد فوضى وفلتان وتخريب للثورة وإذا كانت هناك مشاكل في السرية والمنطقة فيمكن أن ندعو لإجتماع لعموم قادة وممثلي جنود المنطقة ونناقش المسائل وإذا إتضح أن قائد المنطقة ونائبه أو قادة السرايا أو أي جهة أخرى هي المخطئة فنحاسبها ونخفض رتبتها ونستبدلهم بآخرين فغادر الجنود وبقى معي قادة لجنة الجنود فقلت لهم أنتم نسيتم أن هناك مع قادة المناطق مهمات وأموال فكيف سنتصرف فيها هل نتركها لهم أم نستلمها وكيف سنستلمها ما لم يكن الأمر نظامياً وفيه محاسبة ولهذا فإن الاجتماع هو المكان الطبيعي وغير هذا فإن الأمر ليس أكثر من تخريب سواء قصدتم هذا أم لم تقصدوه وهو تدمير ذاتي للثورة وقتل للقضية التي خرجنا للقتال من أجلها وإقتنع الأبناء بهذا الأمر وبهذا إنتهي التململ في سريتنا وأصبح مشروعنا المشترك الدعوة لإجتماع وفق المواصفات أعلاه وكان الأعضاء الذين حضروا من لجنة الجنود في سريتنا هم محمد نور حربوي ، عثمان عبد الله موسى ، محمد آدم هبردا ، إسماعيل أحمد ، شيكاي إبراهيم ، ومنذ ذلك الاجتماع بدأنا خطوات عملنا فعارضنا السرية الثالثة التي أقنعت قائدها بالتخلي عن القيادة وإعتقلت الأخ كابلي الذي كان مراسلاً للأخ ديناي وأثناء سيرنا هذا وجدنا الأخ ديناي في حلة غصب بمنطقة مقرايب فأدرنا معه نقاشاً مطولاً وطرحت له أهمية تنازله ونائبه عن قيادة المنطقة طواعية حفاظاً على الثورة ومكاسبها وإستمرارها وحتى لا تنقلب الأمور لما لا تحمد عقباه وبعد جهد كبير ونقاش مطول إقتنع ديناي بالأمر وقرر التنحي وعلى ذات النقاش سار عشرات المناضلين لحمل أبو عبدين للتنحي إلا أنه إقترح أن يقدم هو مرشحين للقيادة وقدم المناضلين التالية أسماؤهم : إبراهيم عبد الله  ، عثمان حسن عجيب ، حامد محمود، عبد القادر رمضان وآخرين وبعد أن سمعت الأسماء قلت له يا محمود ربما لا يقبل هذا ويمكن أن تقدم الأسماء في المؤتمر دون أن تكون شرطاً منك أو تمرعبرك فضحك وقبل الأمر .

إتصلت بالسرية الثالثة وطلبت منها التهدئة وقلت لهم نلتقي في إجتماع تقبل فيه إستقالة الأخ ديناي وصحبه فرفضت السرية مجرد إستلام الرسالة ناهيك عن الاطلاع عليها ولهذا لم ينفذ الاتفاق مع ديناي وأصبح أمراً مؤجلاً ، إلتقينا بعدها في عوبل وحضر ذلك اللقاء كافة قادة السرايا وقيادة المنطقة وتأخر الاجتماع بعض الوقت وباشرنا الاجتماع وكان إجتماعاً متنقلاً بين عوبل وحتى حواف ساوا مع السودان وإنتهى الاجتماع في هواشيت وهذا الإجراء إتبعناه لضرورات الأمان وفي هذا الاجتماع ناقشنا مشاكل عموم الثورة وشكلنا لجنة إتصال مع المناطق الأخرى لنطرح مشروع مؤتمر عسكري  ليجد الحلول لمشكلات الثورة وتمكنت اللجنة مع لجان بقية المناطق من الاتفاق على ذلك وبهذا عقد مؤتمر أدوبحا .

وسنواصل في الحلقة الرابعة عشر.