في مصر أم الدنيا : الديمقراطية على مذبح مليونيات تحت الطلب بقلم الدكتور : كرار حامد عواتي
نشر من قبل omaal في 05-08-2013

في مصر أم الدنيا : الديمقراطية على مذبح مليونيات تحت الطلب
بقلم الدكتور : كرار حامد عواتي

إن أحداث الربيع العربي في مصر جعلت الكثيرين يعيدون التفكير في الكثير من المفاهيم و المعتقدات و القيم ، و كذلك في المواقف من مختلف الأحزاب التي ظهرت و بشكل جلي مناقضة لمبادئها و طروحاتها و مواقفها و تحالفاتها ماضياً و حاضراً ، إذ بتنا نرى تغيراً في أهداف هذا الربيع و تغيراً في اصطفاف قوى الربيع العربي في مصر .
في 25/1/2011 كان الهدف إسقاط حسني مبارك و نظامه و رجال داخليته ، و كنس عقود من الظلم و الاضطهاد و الإقصاء و دكتاتورية الفرد و الحزب ، و كان اصطفاف  مكونات ثورة 25 يناير مكوناً من كل الأحزاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين و مكونات المجتمع المدني و القوى الشبابية بمختلف مسمياتها .
في 30/6/2013 تغير الهدف إلى إسقاط محمد مرسي ( أول رئيس مدني منتخب ) دون إسقاط نظامه ، إذ لم يتسنى للرجل أن يصنع نظاماً له بسبب المليونيات المتتالية في سنة حكمه ،و تحرك الدولة العميقة ( التي لم تتأثر بالتحول الديمقراطي ) لتعطيل تحقق الاستقرار للرئيس المنتخب ، و كذلك إسقاط الإخوان المسلمين و إلغاء كل ما اكتسبوه عبر صناديق الاقتراع ، و بذلك في 30 يونيو حدث تغيرٌ و فرزٌ في مكونات ثورة 25 يناير ، إذ أصبح الإخوان المسلمون و التيارات الإسلامية الأخرى وبعض الأحزاب الوطنية يشكلون طرفاً ، و باقي مكونات 25 يناير و ارتباطاتها الداخلية و الخارجية و الدولة العميقة و الجيش الذي ظهر كحليف قوي لها يشكلون الطرف المقابل .
إن الخاسر الأكبر في حال انتهاء الأحداث كما يرغب السيسي و مفوضيه هي : الديمقراطية ، و الشعب المصري ، و كذلك الأحزاب التقليدية ( الأحزاب الشعاراتية ) التي لم تكن يوماً في تاريخها ذات فعل مؤثر في مسيرة التطور الديمقراطي ، فهي ستخسر القليل المتبقي لها من المصداقية ، إذ ظهرت بمظهر عدم المدافع عن الديمقراطية و عدم القبول بنتائجها لضحالة مكاسبها من تطبيقها و ذهاب غالبية نتائجها لصالح الإسلاميين ، أما خسارة الشعب المصري تتمثل في خسارة ديمقراطيته التي انتزعها بثورته و تضحياته ، أما خسارة الديمقراطية  فهي تطبيق ديمقراطية السيسي و ديمقراطية شرعية الشارع  ، ويقيناً هذه ديمقراطية ممسوخة و مشوهة .
أما الرابح الكبر من مآل هذه الأحداث فهم : الإخوان المسلمون ، و الدولة العميقة التي عادت وبقوة إلى سابق عهدها و حلفائها الذين يتقاطرون هذه الأيام إلى مصر لإصلاح ( ذات البين ) لضمان دولة دون إخوان مسلمين و دون إسلام سياسي و دون ديمقراطية .
فالإخوان المسلمون هم الرابحون كيفما آلت الأمور ، فإن نجحت الثورة الثانية ( ثورة السيسي ) و تحققت أحلام العلمانيين بانتهازهم لفرصتهم التاريخية ( كما يقولون ) بإخراج الإخوان المسلمين والإسلام السياسي وبشكل نهائي من ساحة العمل السياسي سيعود الإخوان المسلمون  إلى سابق عهدهم إلى السجون و العمل تحت الأرض ولكن مع فائض من المصداقية و الرصيد الوطني ، وإن فشلت ثورة السيسي بانتصار شرعية صناديق الاقتراع على شرعية الشارع و مليونيات التفويض ( و الأمر ) سيعود الإخوان المسلمون أكثر قوة و أكثر خبرة و عقلانية في ممارسة العمل السياسي والأهم  أكثر قناعة بضرورة إشراك الآخر في القرار و الإدارة .
كيفما انتهت هذه الأحداث الدموية في مصر الشقيقة سيظل الشعب المصري الشقيق يتطلع إلى الديمقراطية إما قابضاً عليها بالنواجذ وإما حالماً بها و مناضلاً لتحقيقها .