ارتريا من قوة ثورة الكفاح المسلح ...... إلى رجل القرن الأفريقي المريض الحسين علي كرار
نشر من قبل omaal في 19-10-2013

 

ارتريا من قوة ثورة الكفاح المسلح ...... إلى رجل القرن الأفريقي المريض

الحسين علي كرار

 

من الذي لا يعرف الثورة الارترية ممن عاصروها ، ثورة جامحة ، ثورة كالعاصفة تقتلع الجذور، تسونامي كاسح ، كسح نظام الإمبراطور هبلي سلاسي بعجرفته وكهنوتيته، واكتسح معه النفوذ الأمريكي وقواعد شبكات الاتصال ، وجاء المغمورون من الجنرالات الأثيوبيين ، فهزمتهم ، فصفىَّ بعضهم بعضا ، وبقى منغستو هبلي ماريام  ابن خادم القصر الذي يعرف معني الذل ، فرفع علم الشيوعية الأحمر ، وانتقم ، ودفن رفات الإمبراطور تحت أقدامه في مكتبه ، والقى بالقنائن المعبئة بالدماء في الميادين العامة ، وتوعد وهدر، وجاءت موسكو وأتباعها من دول العالم الأحمر، بجنودهم وعتادهم من كوبا إلى عدن ، فدخلوا معه المعارك وخسروا ، وطار منغستو بطائرته إلى النهاية الأليمة ، وخرج السوفييت من المنطقة ، ثورة سميت بثورة الكلاشنكوف تارة ، وسميت بثورة الجمال تارة ، وسميت بالثورة المجهولة تارة أخري ، ولكنها بقيت كالبركان لا تستأذن أحد في مسارها لهزيمة أعدائها ، انتصارها وصمودها كان معجزة أذهل شعوب العالم وعساكره المحترفين فكان لها التقدير والاحترام ، شعب قوامه ثلاثة ملايين يهزمون عبر ثلاثون عاما عنيفة ودامية ، وبإمكاناته المتواضعة كل هذه القوى البربرية الجبارة ، وينتزع أرضه ويرفع راية الاستقلال ، أي عظمة هذه وأي افتخار ، والتاريخ يكتبه المنتصرون بدمائهم ، فانتصر الشعب الارتري وانتصر معه الشعب الأثيوبي الذي دعمته هذه الثورة لإزالة مجسمات منجنستو وآثار حكمه ، فتغير تاريخ الدولتين وتحول من العداء إلى الإخاء ، ومن الخصومة إلي المصالحة ، ولكن النفس الإمارة بالسوء عندما سولت لأفورقي وحاشيته وغيروا مجري تاريخ الثورة ، اعتبروا أن هذا النصر لهم (التجرينية) ولا شيء لغيرهم ، وأن الوطن والتاريخ ملكهم ، والدماء التي سالت للتحرير فقط دمائهم  وهم الأسياد والحكام مستفيدين من موقع العاصمة والقوة الدولية الخفية ، فنكسوا تاريخ الثورة ، ونكسوا علم الاستقلال المروي بالدماء الزكية ، خانوا أنفسهم والشعب والأشقاء والأصدقاء وخانوا دول العالم الداعمة الوفية ، وطردوا المنظمات الإنسانية التي كانت الداعم الأكبر في الغذاء والدواء للشعب والجنود في التحرير والدولة ، وعزلوا ارتريا عن محيطها والعالم ، وجعلوها قطعة من أملاكهم يتصرفون فيها حسب حاجتهم ، زرعوا الأحقاد وفرقوا الموحد، و فتحوا أبواب جهنم بالتصفيات الداخلية بالقتل والسجن والخطف والانتقام ورفض الرأي الآخر وفرض الثقافة واغتصاب الأرض وتصفية الخصوم وفتح باب الحسابات القديمة مع المناضلين ، وإرساء نظامهم الدكتاتوري المسيحي ، فحفروا ا السجون تحت الأرض ، وحفروا تحت غرفه المظلمة القبور، ورقصوا فوقها وشربوا الكؤوس بنشوة الانتصار، وفعلت ما فعلت بعقولهم ، ولكن في لحظة الصحوة أدركوا أن الحمل عليهم ثقيل ، وأن يدهم الوحيدة لا تصفق وحدها ، فتبرأ منه الكثيرون بعد أن قضوا معه علي كل جميل ، وجعلوا من ارتريا في حقيقة واقعها بعد تلك العظمة دولة بدون مؤسسات ، دولة بدون شعب، دولة بدون مقومات  لتستمر في الوجود ، حتى جعلوها الولاية السودانية التاسعة عشر وميزوها فقط بالعلم ونشيدها الوطني ، بعد أن اختفي الطعام واختفت الأدوية وانهار التعليم وانهارت الطرق والاتصالات والمواصلات والكهرباء والمياه ، حتى الكبور والكبرو والرقص والغناء صناعتهم المحبوبة اختفي ، وأصبح كل شيء حزين لأن آلة القهر دمرت كل شيء وفي مقدمتها الإنسان ، والشعب البطل الصبور صانع الثورة قذفوا به في قاع الفقر والسجون ومعسكرات اللجوء والصحاري وفي أعماق البحار، وهم كالجماد ، لا عين لهم تظرف دمعة، ولا قلب لهم يرقّ رحمة ، ولا ضمير لهم يعلن صحوة ، الجيش الجبار صانع النصر ،حوّلوه بعد تصفيات كبيرة متلاحقة إلي مليشيات تطارد الشعب في الحدود ، ويبيع ويشتري مع المهربين السلع والبشر ليؤمن قوته ويحمي أملاكهم ، وقوي خفية لا يعلمها إلا الله وهم يعلمونها تحمي قصورهم عند النجدة.

 هكذا دخلت ارتريا بهذا القهر والضعف مرة ثانية الملعب الأثيوبي لتقرير مصيرها ، الرئيس الأثيوبي عندما صرح بأن استقلال ارتريا كان خطأ ، نسي أن الجيش الارتري الذي حرر أديس أبابا مع جيش التقراي هو الذي أوصل أثيوبيا إلي ما وصلت إليه ، ولولا ذلك لما وصل سعادته إلي هذا المقام الممنون ، قال ذلك لأن أفورقي وجماعته من التجرينية يلهثون وراء التقراي الذين ينحصر نفوذهم داخل أثيوبيا ، وقد ألمح أفورقي الذي تصطك أسنانه من البرد أن يتدفأ بكهرباء سد النهضة الأثيوبي الذي تحت الإنشاء ، مثله كمثل الجعان الذي يحلم بالبليلة كما يقول المثل  ، وذلك بعد أن حوّل الموانئ الارترية إلي خردة ، وطواها تحت إبطه ، وأصبح يمدّ بصره متحسرا إلي حيوية ميناء جيبوتي ، أي سخرية بعد هذا ، إن قوميتي الأورمو والأمهرا لا تريدان هذا التقارب مع ارتريا الذي يدعم نفوذ التقراي داخل أثيوبيا ، وهكذا بدأ يتلاعب الأثيوبيون  وبمساعدة ملك الملوك الإمبراطور اسياس أفورقي بمستقبل ارتريا بعد أن جهزها لهم علي المائدة وهدر نضال السنين ، ومقص الجراح الأمريكي الذي يقطع أوصال الشعوب والدول حسب مصالحه الآنية والمستقبلية جاهز ، و يدعي أفورقي وإعلامه المضلل أن أميركا هي المسئولة عن مظالم ومآسي الشعب الارتري بعد كل هذه الجرائم الفظيعة التي ارتكبها وتدمي القلوب ، وجعلت من ارتريا رجل القرن الأفريقي المريض .

 إن التاريخ لا يرحم المجرمين ، وعلي أفورقي أن تكون له صحوة ضمير بعيدا عن المكابرة والغرور الكاذب ، ويصلح ما أفسده ويجمع شمل الشعب  ويتجنب تفتيت الدولة ويسعي في تكوين مؤسساتها ، والشعب الارتري الصابر قادر لتجاوز المحن مهما طالت معاناته ، والأثيوبيون يعلمون أن ارتريا ليست لقمة سهلة  إلا في حدود المصالح المشتركة.