عفاريت معسكر ساوا يهزمون ا لدكتاتورية
الحسين علي كرار
الشعب الارتري في الداخل والخار ج يقيم المآتم هذه الأيام علي من رحلوا في مياه البحر المتوسط ، وفي ايطاليا التي وقع الحدث في أرضها - وهي المستعمر السابق لإرتريا - قد وجدوا المشاركة والحداد في أحزان هذا المصاب الكبير ، وتحرك ضمير العالم علي ما يقترفه أفورقي ونظامه من جرائم ، وهو كفاح مستمر وقاسي ، يخوضه الشعب الارتري منذ الاستقلال استشهد فيه الكثيرون علي يد الدكتاتورية الفاشية ، في ميادين المواجهة والقتال ، و بالتآمر في الشوارع والأزقة ، وفي السجون ، وفي دروب الصحاري وأمواج البحار ، والقابعون والمخفيون تحت الأرض في الظلام بالآلاف، إن ما يرتكبه أفورقي في جنح الظلام داخل ارتريا لا يشهد عليه أحد ، ولا يعلم به أحد ، ولكن ما وقع في البحر الأبيض في الأضواء الكاشفة ، لعثمة وفضح نظامه وشهد علي جرمه العالم ، هذا الحدث المؤسف لم يؤنب ضميرهم ، فأقاموا حفلاتهم واستمروا في رقصاتهم ، فكأن ما حدث لا يعنيهم ، وكأن من سقطوا كومة بصل فاسد ، تخلصت منهم مياه البحار ، و هم في ذلك معذورون ، لقد انهزمت دكتاتورية أفورقي الفاشية ، أمام إرادة هذا الشعب الجبار التي لا تنكسر، فقهره المقهورون بعضات أسنانهم ، ومن جحيم حياتهم جعلوا حياته جحيما ، فهو يترنج للسقوط أمام الضربات القوية التي أصابت نظامه ، فأصبح صوته المتعالي خافتا ، ويده الباطشة ضعيفة ، ولسانه السليط معقدا ، وأصبح هو وجماعته المتآمرة ، يأكلون بعضهم بعضا بالمرارة ، بعد ان زرعوا بأنفسهم في دمائهم وباء فناءهم ، وسواء استعانوا بجماعة معارضة التقراي الأثيوبية المجندة أساسا لمثل هذا اليوم ، أو بغيرها لقمع الشعب ، فإن وباء دكتاتورية أفورقي المبجل قضي عليهم ، و بتكلفة فادحة مازال يدفع ثمنها هذا الشعب المغلوب ، فنهاية اسياس ونظامه غير بعيدة ، تحت إفلاس فكره ومنهجه وأسلوبه وعطائه ، وتحت عزلته الداخلية والخارجية ، وتحت إفلاس بنوكه وخزانته ومحفظة جيب بنطاله .
ومعسكر ساوا كان أحد المواقع التي زرعها للاستبداد والهيمنة ، ولكن كان أحد الأسباب التي قضت عليه وعلي نظامه ، والمعروف عن ساوا هي منطقة مياه وخضرة وزرع وغابات ، تاه في أحراشها الإثيوبيون ، وكما هو معروف أيضا أن لساوا في عزف الربابة نصيب ، فمن أوتارها السبعة ، رقصة طيور ساوا المتدلية فوق المياه ، ( ساوا كلاي ) كما يسمونها بالبداويت ، وقد أصبح أفورقي ونظامه يرقصون في معسكر ساوا اليوم رقصة الطيور المذبوحة فوق أطلالهم وخرابهم ، أرادوا أن يرقص لهم الشباب والأطفال والرضع علي عزف أوتار مياههم ، فانتزعوهم من أحضان آبائهم وأمهاتهم ، وانتزعوهم من مدارسهم ومعاهدهم ، وانتزعوهم من حضرهم وبواديهم ، من القاصي والداني ، ومن كل منزل ومتجر ومطعم وبستان ورعي ، ليرضعوهم ويشربوهم الأفورقية وأفكارها نحن وأهدافنا ، وهم صبية رضع أنقياء ، ويضحوا بأنفسهم لحمايتها ، من عالم الغرباء الدخلاء الذين لا يؤمنون بها ويلوثون طهارتها ، فلفوا حول أعناقهم الأعلام ، وعزفوا لهم الأوتار، ودقوا لهم طبول الرقص ، وأمروهم بإظهار ابتسامات السعادة ، ليبنوا بهم هرم الدكتاتورية ، وعظمة أحلام خيالهم ، وطال بهؤلاء الصبية انتظار فجر الصباح ، وحنّوا لديارهم ومدنهم وقراهم ، وابتسامات أمهاتهم وآبائهم ، وإخوانهم وأخواتهم ، وجيرانهم ، وحنّوا لمدارسهم ومعاهدهم ، وساحات ألعابهم ، وأعمالهم ومواشيهم ، وانتظروا يائسين تاريخ العودة المجهول ، فما كان من الفاشيين إلا أن بنوا جدار العزلة بين الصبية ، وأحلامهم وآمالهم وطموحاتهم ومستقبلهم ، و ساقوهم إلي مشاريع السخرة ، وجعلوا طعامهم وشرابهم ، غوغائيتهم وهمجيتهم ، وجعلوا لباسهم الكاكي ، ومساكنهم الأشجار، يسوقونهم مثل قطيع الأغنام لشق الطرق ومباني المشاءات الحكومية والزرع والحصاد وإنشاء الكباري والسدود ، وقمع الشعب ، وخدم القيادات والقصور ، فمن كان منهم يافعا - وأغلبهم كذلك - تجاوز الشباب ، ومن كان منهم شابا تجاوز الكهولة ، ومن كان منهم كهلا تجاوز الشيخوخة ، وهم بسوط السخرة ، لم يقدموا من عمل نافع منتج ، ما يفرح أفورقي ويسر نظامه ، فلا أجادوا عملا قاموا به ، ولا حفظوا ترانيم الافورقية وضحوا من أجلها ، ولا تهذبوا وأطاعوا ، وأصبحوا خرابا عليه ، وضيعوا السنين بإلانفاق الفاشل علي معسكر الهالة ، طرق وجسور وسدود جرفتها المياه الشحيحة وسط ندرة الأمطار ، والمباني تتساقط في أول هبة برياح الخريف ، ومزارع يباب ارتفعت تكاليفها وقلّ حصادها ، وجاع النظام قبل مجاعة الشعب ، لأن هؤلاء الشباب كان اليأس والقنوط والمعنويات المنكسرة يملأ نفوسهم ، وكان هذا الشعور هو لباسهم وسكنهم ورفيقهم ، حياة لا أمل لهم فيها ، تتساوي فيها كفت الموت مع كفت الحياة ، فلا يفضلوا إحداهما علي الأخرى ، فهي الخسارة وهي النهاية ، وبذا ، بدءوا سلسلة الهروب الجماعي والفردي الكبير ، من المعسكر وخارجه علي امتداد ارتريا ، يرافقونهم أحيانا الحراس والجنود المتأذين مثلهم لدول الجوار ، وبدءوا سلسلة الموت مجازفين ، ربما ما تحت الأرض خير لهم مما فوقها ، مغامرين في الصحاري والبحار بأرواحهم وأنفسهم ، ليرسموا لهم مستقبلا جديدا ، بعيدا عن آلة أفورقي القاهرة ، فمنهم من يعبر ويهاجر، ومنهم من تأكله السباع ، ومنهم من تأكله الحيتان ، ومنهم من لم يرحمه البشر ، ومنهم من تقضي عليه أنواء الأقدار ، ويتركون خلفهم أفورقي عاريا هزيلا ، كاشفين ما يمارسه علي شعبه من إذلال علي أيدي عصاباته في سجنه الكبير ، ومن لم يغامر ويجازف من الذين يذيقهم العذاب يحاصرونه في قصره الحصين من كل حدب وصوب ، وفي كل مدينة وقرية ، فيا أيها المجرمون وسعوا المراقد فإن هذه الدماء التي تسفكونها ليست بلا ثمن ، وإن عفاريت ساوا لقادمون .