أمسية كانت اسمها تقوربا محمد اسماعيل هنقلا
نشر من قبل omaal في 21-03-2015

  أمسية كانت اسمها تقوربا

محمد اسماعيل هنقلا

 

 اُمسية تقورباوية في مدينة ملبورن  مع الرعيل وأبناء الرعيل الاول.. ان تذكر المكان والزمان وتفاصيل الأحداث الموغلة في التاريخ  اذا أردنا ان نتحدث عنها كتابيا او شفهية للجماهير ، نحتاج الى لغة سردية جازبة

لان عصر السرعة  والثورة التكنولوجية أفرزت  نفسيات ملولة  وأثرت بهذا السلوك الى كل من لا ينتمي اليها..

فالمناضل محمد اسماعيل همد  هزم هذه النفسية الملولة عبر حديثه الشيق .. فكان  سرده  خليط بين  الجدية والقفشات وبهذه الطريقة أوصل  رسالته  دون اي متاعب .. انها كانت لحظات ممتعة  تجولنا عبر المحاضرة الي ربوع تاريخ النضال الارتري ما قبل وبعد تقوربا.. انها كانت اُمسية الثورة الارترية  بشكل عام  وأمسية جبهة التحرير بشكل خاص ..

 اذا كان سبتمبر هو الحروف الاولى لتاريخ  التحول الاستراتيجي في  مسيرة كيفية مخاطبة التعنت  الاثيوبي تجاه الحق المشروع للشعب الارتري.. فان  تقوربا كانت تتويجا لتلك  الاستراتيجي عسكريا  ..

 وان  معركة تقوربا لم تأتي من فراغ بل هي  امتداد وتراكمات لمعارك جيش التحرير السابقة ..في  دمبلاس -وتلاأي - وجنقرين..

  وهكذا جاءت المعارك لاحقاً امتداد لتراكمات تقوربا  وما قبلها حتى وصلت المسيرة الي الهدف المطلوب عبر جسر الضحيات ..لكن لم يتطابق واقع اليوم مع حلم الرعيل الاول وتلك التضحيات التي دفع  الشعب الارتري ثمنها من اجل إصال الهدف الارتيري الي  العدالة والاستقرار  والتنمية المتوازنة  .. ومع انزياح الواقع عن هدف حلم الشعب الارتري  انزاح الاستقرار والمستقبل الامن عن ارتريا ، وكان هذا الانزياح  نتيجة  ابتعاد ارتريا عن ذاكرتها النضالية وواقع انتمائها الحقيقي  .. وحتى نعود الي المسار الصحيح  يجب ان نعترف بسيادة ارتريا  ، وان سيادة ارتريا  هي جغرافيتها  وديمغرافيتها وذاكرتها الكلية وليس الذاكرة المجزأة كما فعلت الشعبية التي تمارس بشكل ممنهج جرف ذاكرة الانسان وانسان الذاكرة غير المرتبط بذاكرة الجبهة الشعبية ..

 وأول من  انتهك سيادة ارتريا هي الشعبية عبر حرف مسار التاريخ عن مساره الصحيح  من خلال تحالفها مع قوى اجنبية في ضرب قوى وطنية ارتريا، وهذا اليوم  كان بداية التاريخ  تاريخ الخرق لسيادة الوطنية .. وكذلك تم حرف مسار شعور النمو الوطني عن مساره عبر ثقافة التجرنته، وهذا ايضاً كان اعتداء من اعتداءات الشعبية على الثقافة الارترية عبر دعم سيادة ثقافة جزئية على حساب ثقافة  النمو الوطني المتفق عليها ارتريا( اللغة العربية ،والتجرنية )..

 وبشكل واضح نلحظ نشاط اجتماعي وثقافي مدعوم ماديا ومعنويا من اجل خدمة المشروع الراهن .. فإن  المشروع القائم  مبني على الاقصاء  التاريخي ،  إقصاء التاريخ الذي يعبر عن حقيقة وواقع حلم الانسان الارتري ، التاريخ المتطابق زمانيا ومكانيا مع مسيرة النضال الارتري  السلمي والعسكري ..

 بشكل مختصر ان القراءة المشوهة للتاريخ تولد رؤوية مشوهة ..وهذا هو ما هو حاصل اليوم في المشهد الارتري الاجتماعي والثقافي  نتيجة القراءة المشوهة لتاريخ الارتري .. إذن الواقع الارتري  القائم لا يعبر عن السيرورة التاريخية لتضحيات  النضال الارتري ..تضحيات كل الفئات الاجتماعية  دون استثناء .. انها حالة الردة بكل المقايس  .. وحتى نواجه هذه حالة الردة يجب ان نخلق وعي وطني   ينطلق من ارضية الخلفية التاريخية التي  رصفها مشروع التحرر الوطني الارتري عبر كل مكوناته الاجتماعية  ،والذي كان يعتمد  في خطابه  اي المشروع الوطني على أسس  مغايرة لخطاب الاستعمار الاثيوبي ..خطاب يتحدث عن ملامح الانسان الارتري ووعي هذا الانسان لذاته ، الذات المغايرة  عن الذات الاثيوبية ...وبنى على هذا الفهم الشعب الارتري فهم وعي الذات  في مقاومة الاستعمار الاثيوبي  وإعلان ثورته ..فهم يعتمد وينطلق من الواقعية الاجتماعية والتاريخية للشعب الارتري..  وهكذا انطلق حلم التحرير  نحو الهدف متسلحا بوعي ضرورات المرحلة وشروطها حتى جاء الانتصار على العدو كما يجب..

ان ارتريا هي مجموعة ضرورات وحقائق تاريخية اذا أردنا ان نحافظ على استقرار وتقدم  هذا البلد الاجتماعي والاقتصادي .. علينا ان نحافظ على هذه الضرورات والحقائق التاريخية  بعيدا عن الفذلكات  والمزايدات السياسية  التي لا تخدم غرض المشروع الوطني ..

في الختام : عاشت  تقوربا  وكل البطولات التي  جسدها الرعيل الاول .. وان تقوربا  ليس مناسبة عابرة كعبور بالونات الاحتفال على الهواء .. بل هي محطة تاريخية نتوقف عندها لاستيعاب درس الماضي ونتزود منها زادا يخدم الحاضر..وتعزيز جذور ثقافة الاعتراف المتبادل بعيدا عن لغة الاكراه.. وهذه اللغة لغة الاكراه لا تخدم الا واقع الأزمة..

وبهذه المناسبة نردد مع الشاعر الجزائري /محمد العيد آل خليفه البيضاني.  

رحم الله معشر الشهداء و جزاهم عنّا كريم الجزاء

لم أجد في الرجال أعلى وساماً من شهيد مخضّب بالدّماء

      محمد اسماعيل هنقلا

2015/3/19