عام مضي وعام قادم .. ورابطة المنخفضات تتحدي بقلم الأستاذ الحسين علي كرار
نشر من قبل omaal في 22-04-2015

عام مضي وعام قادم .. ورابطة المنخفضات تتحدي

الحسين علي كرار

 

منذ تاسيسها في 29/3/2014 ورابطة أبناء المنخفضات لجمع الشمل تسير بخطي ثابتة ، وقد راهن البعض علي فشلها وتشكك البعض في برنامجها وتحفظ البعض من مصداقيتها وأساء البعض  لتوجهاتها ، ولكنها أثبتت خلال عام أنها الرقم الذي لا يستطيع أن يتجاوزه حتي المكابر، ببرنامج عمل واضح وعمل دأوب صادق ، وقد وجدت الإهتمام الكبير والمتابعة ممن إلتزم ببرنامجها أو كان معترضا عليه  وهي كحدث قلبت الموازين والرؤيا في الساحة الأرترية ، وأحدثت واقع جديد ، وبالتأكيد انها لم تولد من فراغ ولكنها ولدت من معاناة طويلة ، و سنتناول هنا وبإيجاز أهم ما أنجزته وأهم ما ينتظرها من تحديات .

أولا :- أدركت معرفة الواقع وقراءته ومعرفة ماذا تريد؟

أعجبني تعليق الأخ راكي عافة في أحد تعليقاته في موقع فرجت –  حيث يقول (نحن نعمم ونتحدث عن العام  وهم يخصّون ما سيحصلون عليه) ، هذه هي القراءة الصحيحة ، فإذا كانت لهم السطوة قبلوا وإلا رفضوا ، بمعني انهم ينطلقون من (أنا) ولا يعرفون (أنت) و لا (نحن)  والآن رابطة المنخفضات إنطلقت من (أنا) منخفضاتي وعرفت ما تريده مثلهم نحن أهل المنخفضات ، وأنتم أهل كبسا (منخفضات مقابل الكبسا) فهذه المعرفة وعدم الخوف والجهر بها تعتبر إنجاز ، وكلمة (نحن) لا تأتي إلا بالوفاق علي ما يختلف فيه وهو كثير ، فمتي قبلوا (بنحن) وقتها سيكون الحديث الواقعي الجاد الذي ستبني عليه الدولة من القبول بالثقافتين والفيدرالية وعدم إحتكار السلطة من طائفة وإتاحة الحريات ووضع اللاجئين والحلول للأراضي المستباحة وغيرها ، وتجد البعض يخلط  بين الدين والوضع الجغرافي ، فعندما تقول منخفضات لا يعني الإسلام ، ففي المنخفضات يوجد مسيحيون وفي المرتفعات يوجد مسلمون ، وليست رابطة المنخفضات في عمل فرز طائفي وإنما تطالب بحقوق أهلها هذا ما يقوله برنامجها لمن أراد أن يقرأ.

ثانيا :- تأبي الرماح إذا إجتمعنا تكسرا

رابطة المنخفضات أدركت أن المصيبة في الفرقة ، فبذلت جهودا مقدرة لجمع الشمل وانجزت الكثير بعد  التشتت الطويل  لعوامل الصراعات التأريخية في فصائل التحرير  والتفرق بسبب الرواسب والأحقاد السياسية في تلك المراحل وتأثيراتها ، وكذلك تعزيز النظام الطائفي لهذا التشتت  بما صنعه وعرف بالقوميات التي أسسها وجعل نصيبها لغة الأم والرقص ليمحو اللغة العربية والتراث الثقافي الإسلامي ونهب الأراضي والتغيير في الجغرافيا ، وما أطلقوا عليه قوميات أصلا هي قبائل معروفة بتاريخها وتراثها وهي تعيش مع بعضها بوئام منذ مئات السنين ولم يأتوا بجديد ما عدا التسمية التي إبتدعوها للفرقة بين المكونات ، وما أسموه القوميات التسعة ،  السبعة منها في المنخفضات وقوميتان في المرتفعات ، وأيضا ما سموه القوميات التسعة  الثمانية منها مسلمون (حتي الكوناما أكثريتهم مسلمون) وجعلوا قومية التجرنية مقابل كل قومية علي حداها  ، (والمفارقة في تقسيماتهم إعتبروا الجبرته من قوميتهم  ليعززوا كومهم ، ولكن بعض ممن يتحدثون الحدارب أعتبروهم من التجري حسب قبائلهم التي ينتمون إليها علي الرغم أنهم يقولون للناطقين بالتقري وهاسا ولا يعرفون التقري ، خذهم من (قرست) قلوج حتي الساحل (هجر) ولم يعتبروهم من الحدارب حسب اللغة التي يتحدثون بها) وبعد هذا التقزيم للمسلمين  أعتبروا أنفسهم القومية الكبيرة التي يحق لها الهيمنة ، هذا هو الهلاك الذي زاد التدمير ، (هم متضامنون والمسلمون متفرقون) و لكن بعد ظهور رابطة المنخفضات وسعيها في لم شمل أبنائها وإدراك الجميع فلسفة القوم في فرض لغتهم وثقافتهم والهيمنة علي مفاصل الدولة لفرض واقع جديد أصبح مفهوم القوميات الذي إبتدعوه للتشتيت يأفل نجمه ويقل المتحمسون له بعد معرفة المغزي من ذلك وإدراك كل قبيلة أنها لا تستطيع أن تقاوم مظالمهم لوحدها مقابل تجمعهم ، و نتيجة لهذا الجمع الشامل ذابت الكثير من الحساسيات السابقة التي كانت نتيجة الصراعات بين الفصائل أمام هذا الغول الجبار الذي أصبح أسوء من المستعمرين في الظلم ومصادرة حقوق أهل المنخفضات ، فجمع الشمل هو الطريق الصحيح الذي يكسب القوة ،  فإذا كنت ضعيفا غير محبوب حتي من أخيك ، وإذا كنت قويا يسعي إليك حتي عدوك ، ويجب الجميع أن يتجاوز جميع أخطاء المراحل السابقة ، وقديما قال الحكيم

تأبي الرماح إذا إجتمعنا تكسرا   *** وإذا افترقن تكسرت آحادا

ثالثا :- الرابطة أبرزت وجوه شابة في الإبداع

بعد الإستقلال أصيبت الساحة بالتحجر والجمود وإنعدام الكادر المؤهل بسبب سياسة النظام ، وجمود الفصائل ، فالنظام لا يقوم بتوعية الكادر وتثقيفه خشية أن ينقلب عليه فهو يفرض عالم التجهيل ويمنع حتي النقاش والتجمع لدرجة إذا رأي أحد من مسئوليهم من مسافة بعيدة أحد من جنوده أو كادره حاملا مسواك في يده ينظف به أسنانه ورأي رأس عود المسواك بارزا أطلق عليه الرصاص ظننا منه أنه آريل راديو يستمع إليه  ، ولهذا لم يفرزالنظام  الكادر السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي ، وكل الحيويين الذين يعملون في أنشطة الدولة هم كوادر قديمة سواء كانوا من قوات التحرير أوالجبهة  ، وكذلك التنظميمات السياسية تقزمت وتحجرت وعجزت أن تقوم بأي أنشطة للتوعية والتثقيف وإقامة الندوات والمهرجانات وبناء كادرمقتدر، فلم تبرز وجوه وكوادرقادرة  تدفع بها إلي الواجهة رغم أنها زاخرة بكثير من الشباب الذين يحملون المؤهلات العلمية ، ولكن حراك الرابطة وأنشطتها المتعددة بإتاحة الفرص الواسعة لهم في كثير من المجالات بحرية ودون قيود خلقت الحيوية و أتاحت الفرصة للمؤهلات الشابة  بالبروز، ودفعت بوجوه جديدة تقدم عطائها وإبداعها في كثير من المجالات ، وبالتأكيد سيكون لها شأن في الغد القادم ، وقديما قال الإمام الشافعي:

إني رأيت وقوف الماء يفسده       إن سال طاب وإن لم يسل لم يطب

والتبر كالترب ملقا في أماكنه       والعود في أرضه نوع من الحطب

رابعا :- الداخل ليس معزولا

يظن البعض أن الرابطة محصورة في الدول الغربية وبعيدة عن الداخل ولكن هؤلاء مخطئون ،   فرسالة المنخفضات وصلتهم ويعرفونها وليسوا معزولين عنها وهم الذين تطحنهم مكاينة النظام المدمرة فيعلمون ويتابعون حراك الرابطة و بإستمرار، ولكن لهم ظروفهم ، والتحدي المطروح أمام الرابطة في لحظة ما إذا حصل تطور في الداخل كيف تستوعب هؤلاء فلا بد أن تطرح هذا السؤال علي نفسها وتبحث مبكرا عمّا ستفعله ، واللحظة مؤجلة ولكنها حتما قادمة ، وكذلك من التحدي كيف تعمل لتستوعب كل المترددين والمتشككين في برنامجها ، فهو حقيقة من التحديات المطروحة.

خامسا : - الرابطة منظمة مدينة ولكنها غير معزولة

البعض يشكك أن الرابطة ليست مدينة وإن كان طرحها مدنيا ،ويتعتبروها رابطة سياسية ، وفي العالم لا توجد منظمة مدنية بعيدة عن السياسية ، والمنظمات والنقابات والتجمعات المدنية يسموها في العلوم السياسية بالمنظمات الهدامة للدولة من الداخل لأن هذه المنظمات لها علاقات خارجية مع منظمات أخري تماثلها ، وتؤثر وتتأثر بها مثل منظمات حقوق الإنسان ، فالدولة منغلقة والمنظمات منفتحة ، كما أن الكثير من مطالبها مطالب سياسية ، ونعلم في أحداث العالم أن الطلاب في فرنسا هم من أسقطوا الرئيس ديجول محرر فرنسا في الحرب العالمية الثانية وهو رجلها التاريخي العظيم ، وأن عمال بولندا بمطالب رفع الأجور هم من أشعلوا في ميناء غيدانسك الثورة ضد الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية ، وأن عمال بريطانيا كيف قابلتهم مارجريت تتاشر بالحديد والنار ، وعموما مطالب النقابات والمنظمات المدنية بالإضرابات لزيادة الأجور يتعلق بعمل السيادة للدولة ، لأن الزيادة تتعلق بميزانية الدولة ووزارة المالية هي من وزارات السيادة فتتأثرالميزانية  في حالة القبول وتعم الفوضي في حالة الرفض ، فلا يزايد أحد علي الرابطة ولا يخيفها ، فالرابطة لا تمارس العمل السياسي فهذا متروك للفصائل المتفرغة لهذا العمل ،ولكن مطالب الرابطة سياسية ولا يستطيع أحد أن يحجرها فهي مشروعة ، وهذه الفصائل سواء كانت من المنخفضات أو المرتفعات أو النظام المتحجر لا بد أن يأخذوا هذه المطالب كحقائق دون أن يدفن أحد منهم رأسه في الرمال فهي في حقيقتها ثورة ضد المظالم وإنطلقت ولا يستطيع أحد إيقاف عربتها إلا بتحقيق مطالبها لأنها كسرت كل نقاط الخوف والتردد ، فإذا رفضت مطالبهم فليسوا هم المسئولين عن الفوضي التي يتحدث عنها البعض .

سادسا : من التحدي للرابطة المشاركة في المؤتمر الوطني الثاني القادم

يعتبر من التحديات للرابطة ، كيفية المشاركة في المؤتمر الوطني الثاني للمجلس الوطني، فالرابطة مدنية إقليمية وليست رابطة مهنية ، فتختلف مطالبها عن مطالب النقابات ، والمجلس الوطني يدعمه الجميع ومنهم الرابطة بقيادتها و قواعدها ولكن قرارته لا تتفق مع مطالب الرابطة لأن من يقوده هي فصائل سياسية برغماتية ، فشلت فشلا كبيرا وخاصة بعد مؤتمر (اوسا) الذي كان يعقد عليه الأمل الكبيرفي تحقيق طموح المعارضة لمواجهة النظام ، ولكن هيمنت عليه قوي حرفت موقع المواجهة وحولت الصراع داخل المجلس ، فدخل في الإنعاش وتم إسعافه من الإنهيار ولكن تبعات المرض موجوده ، و مع هذا يعتبرالمجلس شعرة معاوية للوحدة الداخلية وهو الأحد الأدني للوفاق بدل الشتات في هذه المرحلة الإنتقالية ، ولكن قرارته سوف لا ترضي الرابطة وميثاقها وهو تحدي يطرح نفسه ، وما قامت الرابطة إلا رفضا لمثل هذه الحلول التهميشية.

 والتحدي الآخر هو أن الرابطة أثبتت مقدرتها لحشد الكثير من أبناء المنخفضات بمختلف إتجاهاتهم السياسية في بوتقة واحدة وبمطالب محددة وبهدف واضح محدد ، فهذا الحشد حقيقة لم تستطيع كل الفصائل التنظيمية أن تحققه لضبابية رؤيتها أمام شريك واضح الرؤيا بأطماعه الطائفية والسياسية والإقتصادية والجغرافية ، لذا لابد أن تطرح بشفافية ووضوح كيفية المشاركة في المؤتمرالثاني للمجلس الوطني  ، و الحذر من إختراق الرابطة  في الصراعات  الفصائلية تحت أي صيغ ، وأن تكون الحماية للرابطة من مثل هذه الخروقات ، وسوف لا يعجز من وضعوا أسس الرابطة من وضع جدارات الحماية لمثل هذه المسائل .

ومن التحدي كذلك لا بد أن تكون حاضرة ببرنامجها في المؤتمر لأنها تمثل أكثر من نصف المجتمع وأكثر من نصف جغرافيته وأكثر من نصف ثقافته المرفوضة ، وبالتأكيد الطرف الآخر سيكون بالمرصاد كما عوّدنا فهو موحد في فصائله السياسية ومنظماته المدنية في تحقيق ما يريده ، ويتحدث  بلسان واحد مهما إختلف ، فيجب أن يكون للرابطة حضورها ويجب ألاّ تمرالأمور مرور الكرام كالسابق ، وعليها أن تتحفظ علي القرارات التي تعترض برنامجها وإتخاذ ما تراه مناسبا وهو حق الاعتراض وتسجيله لكيلا تلتزم به في المستقبل في برنامجها.

 ونرجو لها في عيد ميلادها الثاني  المزيد من التقدم وتحقيق الإنجازات ، والله ولي التوفيق.