وداعاً أيها المناضل الوطني .. ياسين عقدة بقلم الأستاذ/ آدم محمد صالح
نشر من قبل omaal في 20-08-2015

وداعاً أيها المناضل الوطني .. ياسين عقدة

 بقلم الأستاذ/ آدم محمد صالح

رحل عن دنيانا الفانية في 11/5/2015م بمدينة جدة إلى الدار الآخرة المناضل الوطني الكبير يسين محمد صالح عقدة، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد حالت ظروفي الصحية عن كتابة هذه الخواطر وهذه الشهادة في حق المناضل الكبير وقتها ، ولكن لابد من ذكر مآثره الوطنية ونضالاته ولو بعد حين.

كان المناضل ياسين عقدة أحد مؤسسي حركة التحرير الإرترية في مدينة بور تسودان في نوفمبر 1958م، ثم رئيساً للقيادة التنفيذية في أسمرة التي كانت تشرف على العمل الثوري في كل محافظات المرتفعات الإرترية " الكبسا" ومحافظات المرتفعات وإثيوبيا حيث تتواجد هناك أعداد كبيرة من الإرتريين.

لقد تعرفت على المناضل يس عقدة في بداية صيف عام 1961م، في أسمرة بعد قدومي إليها من مدينة عصب حيث كنت أعمل في شركة هناك، وبناء على "رسالة كودية" بعث بها الأخ الأستاذ محمد علي الأمين رحمه الله  تطلب مني "الحضور إلى أسمرا فوراً" وكانت هذه الجملة تعني بأن هناك تحركاً سياسياً في إرتريا، وعلى الفور طلبت إجازة مرضية من الشركة ولم أنتظر أربعة أيام حتى وصول الطائرة من أسمرا وركبت سفينة بضائع مبحرة إلى مصوع ووصلت إلى أسمرا وبالصدفة المحضة التقيت في الشارع الأخ الأستاذ حسين عثمان لجاج وأخبرني بتأسيس "حركة التحرير الإرترية" !! وقد وقع هذا الخبر العظيم موقعاً عظيماً في نفسي، وكان  أكبر فرح في حياتي حتى يوم تحرير كامل التراب الإرتري في 24/5/1991م، وفي اليوم التالي التقيت بالأخ محمود محمد عمر الذي أخبرني هو الآخر بتأسيس الحركة، وأخذني في اليوم الثاني إلى المناضل يسين عنقدة ، في محل عمله بالسوق العربي والذي رحب بي وشرح لي ما كان يجري من تحرك ثوري وطلب أن ألتقي به بعد عودتي من أغوردات عائداً إلى عصب وفعلاً التقيت به وناقشنا كيفية التحرك في عصب وعشية سفري إلى عصب التقيت به في نادي أدوليس وبحضور نائبه المناضل "كحساي بهلبي منازقي" وكذلك حضر الأخ عثمان محمد عمر دكين رحمه الله وكان سكرتيراً لمحافظ مديرية عصب ووصل في نفس الفترة  إلى أسمرة قادماً من عصب، وطلب الأخوة يسين عقدة وكحساي بهلبي مني ومن الأخ عثمان أن نقود عمل الحركة في عصب لأن نشاط الحركة هناك ضعيف جداً وحملانا بعض وثائق الحركة، وفي عصب بدأنا العمل أولاً بمفاتحة الأخ عثمان للأخ شحيم إبراهيم شحيم من أبناء عصب الذي أخبرنا بأنه على علم بتأسيس الحركة ، وفعلاً بدأنا النشاط الحركي ومعنا الأخ شحيم  بالتجنيد واستقطاب المؤيدين للحركة وتكوين التشكيلات في مدينة عصب وانتشرت التشكيلات في مديرية عصب في بضعة أشهر، وقد وجد نشاطنا الدؤوب وتفانينا استحسان القيادة التنفيذية في أسمرا وخصوصاً الأخ ياسين عقدة ، رحمه الله تعالى وفي أوائل صيف عام 1962م، غادرت عصب نهائياً إلى أسمرا، حيث التقيت بالمناضل ياسين عقدة وكان معه كل من المناضل إدريس محمد حسن قنشر، نائب رئيس القيادة العامة في بور تسودان رحمه الله ، وكذلك الشهيد إدريس قمحد عضو الحركة في عصب وكان يعمل في الشرطة السرية الإرترية والذي نقل إلى أسمرة.

وكانت نقطة تلاقينا في شارع بالقرب من كنيسة ماريام "مريم العذاراء" وأبلغناهما أنا والشهيد إدريس قمحد عن النشاط الوطني في عصب ووجود سلاح في المنطقة، وقد تولى الأخ الشهيد قمحد أمر التوضيح وأبلغهم بمرور أسلحة إثيوبية إلى اليمن عبر عصب بواسطة مهربين يمنيين بعد فشل ثورة الجنرال "منقستو نواي" ضد الإمبراطور هيلي سلاسي.

وفي نفس اللقاء أخبراني بتكوين لجنة من أعضاء الحركة ، رجال مرموقين يعملون في الحكومة الإرترية تحت اسم " اللجنة الوطنية" وذلك لقيادة الحركة مع القيادة التنفيذية الحالية، وذكرا لي أسماء بعضهم وكنت أعرفهم وكان لي تواصل معهم بعد سفر الأخ عقدة واعتقال الأخ كحساي بهلبي، رغم الظروف الصعبة وحملات الاعتقالات المحمومة من قبل السلطات الإثيوبية، وفي وقت قصير جداً لمثل هذه اللجان، فقد قامت اللجنة الوطنية قبل اعتقال أفرادها في 13/11/1964م، ببعض الأنشطة، وأهمها جمع المال لتسريع حركة خروج البوليس على الحكومة بقيادة الشهيدين محمد سعيد شمسي وإدريس قمحد، وخصوصاً الأخوين إسماعيل حاج محمود وعبده كرار، فقد سحبا مبلغ ألف دولار إثيوبي من حسابهما في البنك في ظرف24 ساعة من خروج رجال البوليس الحر "ومبلغ الألف دولار في تلك الأيام يعتبر مبلغاً فلكياً".

وفي نفس اللقاء أخبرني الأخوين عقدة وكحساي بأنه تم تعييني عضواً في القيادة التنفيذية في أسمرا، وبعد بضعة أيام من ذلك اللقاء وكان في ليلة الأحد، حضرت اللقاء السري للقيادة التنفيذية في أسمرا وتعرفت بالأخوة الأعضاء، وكان من بينهم محمد أحمد زبوي، وعثمان عبدالله كيكيا، وأحمد دين عبدالقادر، ومحمد برهان حسن، ومحمد حقوص ونورو عبدالحي، وغيرهم، وكان يترأس الاجتماع الأخ ياسين عقدة ، وقد رحب الأخوة بانضمامي إليهم وحضوري الاجتماع ثم بدأ النقاش حول بعض الأمور التي تهم التنظيم، وبعد أيام قليلة سافرت مع الأخ ياسين إلى كرن وأغوردات، والتقينا ببعض الزملاء من أعضاء القيادة التنفيذية في المنطقة الغربية وكذلك الزملاء في فرع أغوردات، وكنت التقي به رحمه الله مرات عدة في المقاهي والشوارع وذلك لخطورة الاجتماعات السرية نظراً لنشاط رجال الأمن غير العادي والمحموم.

ولم تكن معرفتي بالمناضل ياسين عقدة معرفة سطحية عابرة بل كانت معرفة عميقة توطدت مع الأيام وازدادت رسوخاً، فقد عملت معه عن قرب، فوجدته مثالاً للمناضل الصلب والسياسي المقتدر والثوري الحقيقي، مهذباً ومتفانياً ونشطاً ومتواضعاً ناكراً للذات، وقد ألف بيننا وجمعنا حب الوطن والتفاني في خدمته حتى يتحرر من أغلال التبعية للمستعمر البغيض.

وقد كان مبدأ حركة التحرير الإرترية يجري في دمه وعقله لم يتخل عنه أبداً حتى وفاته رحمه الله، وصمد صمود الجبال في سبيل ذلك المبدأ رغم التعذيب والتنكيل والاعتقال الذي تعرض له على أيدي زبانية المستمعرالإثيوبي، وكان يماثله في هذه الصفات والتمسك بالمبدأ حتى الممات المناضل إدريس محمد حسن قنشرة ، رحمه الله.

ألا رحم الله المناضل الوطني الكبير ياسين عقدة بقدر ما قدم لوطنه وأمته ،

وإنا لله وإنا إليه راجعون.