إرتــــــــــريــــا.... شروق الاستقلال وغروب الحرية بقلم: نصر إسحق
نشر من قبل omaal في 30-04-2016

إرتريا.... شروق الاستقلال وغروب الحرية

ERITREAN MAP.jpg

بقلم: نصر إسحق

في الرابع والعشرين من مايو القادم تكمل إرتريا ربع قرن من الاستقلال . استقلال قاتل الإرتريون من أجله ثلاثين عاما ، دفعوا خلالها أغلى ما يملكون ، وسجلوا أروع قصص البطولات ، غير أن فرحة الشعب الإرتري لم تدم طويلا فسرعان ما اكتشفوا أن النظام الجديد لا يقل سوءا من الاستعمار . فنظام الجبهة الشعبية كشر عن أنيابه من اللحظات الأولى لإعلان الدولة الوليدة ، فزج بالمئات في السجون دون أي تهمة ودون أن يقدمهم للمحاكمات ، هذه البداية رسمت أولى الخطوات لما آلت إليه البلاد فيما بعد .

إخفاء قسري وهروب جماعي : ما لم يتوقعه الإرتريون هو تحول البلاد إلى سجن كبير بعد كل التضحيات التي قدومها ، وشعارات الديمقراطية والعدالة التي يتشدق بها رئيس النظام أفورقي . أصبح الإرتري يمسي ويصبح على أخبار الاعتقالات والاختفاء اليومي ، فلا أحد يعلم إلى أين ينتهي المطاف بهؤلاء المغيبين ، فالحديث في مثل هذه الأمور قد يقودك إلى نفس المصير .

بعد أن خاضت إرتريا حربها الأخيرة مع إثيوبيا في العام 2000 م بدأت البلاد تضيق أكثر ، وبدأ النظام أكثر وحشية مما كان عليه أولا ، حيث زج بقياديين في الجبهة الشعبية الحزب الوحيد في السجون ، كما شملت الهجمة صحفيين والآلاف من المواطنين . وتتحدث منظمات حقوقية عن ما يزيد عن مائة ألف معتقل داخل السجون الإرترية ، ويتحدث مواطنون عن ضعف هذا العدد اختفوا منذ الاستقلال .

وفيما يشبه الاحتجاج الصامت يعبر المئات من أبناء الشعب الإرتري الحدود بشكل يومي هربا من واقع يسوء يوما بعد آخر ، وقد سجلت منظمات الأمم المتحدة عبور مائات الأشخاص الحدود يوميا باتجاه السودان وإثيوبيا . وفي ظل هذا النظام تنحدر البلاد بسرعة نحو هاوية الفشل حيث تشهد أبشع صور الانتهاكات ومصادرة الحريات التي لا حصر لها ، ويمكننا إجمالها في الآتي :

(1) غياب دستور يحكم البلاد .

 (2) غياب نظام قضائي يقدم له المعتقلون .

(3) غياب حرية التعبير ، لا يوجد في طول البلاد وعرضها سوى تلفزيون وإذاعة واحدة وصحيفة ، في الوقت الذي كانت تصدر في إرتريا في حقبة الخمسينيات ما يزيد عن عشرة صحيفة يوميا .

 (4) التجنيد القسري والدائم بالإضافة لأعمال السخرة التي تفرض على المجندين.

إرتريـا والعـالـم وجهـا لوجـه : ظل العالم صامتا على انتهاكات حقوق الإنسان وكل ممارسات النظام الوحشية تجاه مواطنيه لما يقرب ستة عشر عاما ، لينتبه أخيرا ويقوم بفرض عقوبات دوليه على النظام في العام 2009م بموجب القرار 1907 بناء على التقرير المقدم من فريق رصد الصومال وإرتريا ، ولربما هذه العقوبات لم تكن لو أن النظام ساير المجتمع الدولي بشأن الترسيم الحدودي الذي فرضته اتفاقية السلام بين إرتريا وإثيوبيا، وهذه واحدة من إشكالات المجتمع الدولي الذي يلوذ بالصمت كل ما كانت الانتهاكات صادرة من حلفائه الدكتاتوريين .

ورغم التوتر الظاهر في علاقات النظام مع المجتمع الدولي ، إلا أن هذا المجتمع لم يقم بعمليات جادة تجبر النظام على تغيير سلوكه تجاه مواطنيه . وفي خطوة توصف بالجريئة والقوية عين مجلس حقوق الإنسان مقررا خاص لحقوق الإنسان في دورته العشرين وتحديدا في السادس من يوليو 2012م ، كما أن المجلس قام بتكوين لجنة تقصي حقائق تضم المقرر الخاص وآخرين مهمتها تقديم تقرير سنوي عن حالة حقوق الإنسان في إرتريا بشكل دوري ، ورغم رفض النظام الإرتري التعامل مع هذه اللجنة والسماح لها بزيارة البلاد إلا أن هذه اللجنة وقراراتها سيكون لها أثرا قويا قد تجبر النظام على الإذعان والتخفيف من قبضته ولو مؤقتا .

تحديـات فـي الطريـق : هنالك الكثير من التحديات والعقبات التي تقف أمام تحسين حالة حقوق الإنسان في إرتريا ومن بينها :

(1) النظام القمعي المتسلط على رقاب الشعب .

(2) عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني قادرة على رصد ومراقبة الانتهاكات .

(3) صعوبة توثيق الانتهاكات لطبيعة النظام الأمني وقبضته القوية على البلاد .

إشـراقـات على الطريـق : رغم الحالة السوداوية التي تسود على المحيط السياسي المعارض إلا أن هنالك بعض الإشراقات تطل من هنا وهنالك ، لتحيي الأمل في نفوس الإرتريين بالحرية والاستقلال الحقيقي ومن بينها :

* تحرك الجاليات الإرترية في الدول الأوروبية ، وتسيير المسيرات المناهضة للنظام ومخاطبة المنظمات الدولية.

 * اهتمام المنظمات الدولية بمسألة حقوق الإنسان في إرتريا في إطار اهتمامها بمكافحة الاتجار بالبشر ، وخاصة أن الإرتريين شكلوا أكبر رافد لها في الفترة الأخيرة ، كما أن تدفق الآلاف من المهاجرين الإرتريين نحو أوروبا أجبر بعض الدول للاهتمام بما يدور في إرتريا .

* تكوين بعض منظمات المجتمع المدني الإرتري ، ورغم ضعفها وتنازعات السياسة ، وقلة الإمكانيات المتاحة لها ، إلا أنها تعد خطوة جيدة في مسيرة النضال .

* مشاركة القوى السياسية الإرترية في المنابر والمؤتمرات المتعلقة بحقوق الإنسان.