بسم
الله الرحمن الرحيم
المجلس الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي
بين التحديات والآمال المعقودة عليه
بقلم : علي عبد العليم
25/11/2012م
مقدمة :
يلتئم شمل الاجتماع الدوري الأول للمجلس الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي هذه الأيام
في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا ، بعد عام من مؤتمر أواسا الذي انبثق عنه ، بعد تظاهرة احتشدت فيها جماهير الشعب
الارتري من مختلف الاتجاهات والتوجهات والمشارب وخرجت بنتائج بعثت الأمل في النفوس بقرب الانعتاق من الدكتاتورية الغاشمة
من خلال العمل الوطني المشترك في حده الأدنى ، وتغليبه مصلحة الوطن في حده الأعلى .. وانتظار أن يدفع بالبديل الديمقراطي
الذي يرسي دعائم العدالة والحرية والمساواة بين كافة فئات شعبنا الصابر ..
يأتي الاجتماع وسط رؤى مختلفة تجاه أداء المجلس الوطني خلال العام المنصرم ، كل من
الزاوية التي ينظر منها ، فمن يرى أن المجلس الوطني لم يحقق شيئا يذكر ، وخيَّب الآمال فيه ، وزهَّد الناس في امكانية أن
تأتي المعارضة الحالية بالتغيير المنشود ، وأن الطريق ما تزال طويلة للتواضع على مظلة وطنية شاملة ينضوي تحتها تنظيمات
ومنظمات المعارضة لمقارعة نظام ( الشعبية ) وإسقاطه والتعجيل بخلاص شعبنا الصامد منه !..
ومن يرى أن المجلس لم يمنح الفرصة الكافية وهو في طور التأسيس خاصة وأن هناك تنظيمات
جديدة ولجت الساحة ولم يسبق أن عملت مع الآخرين ومن ثم تحتاج لبعض الوقت للتعارف والانسجام في العمل المعارض .. فضلا عن
ان نظام المحاصصة المتبع في تمثيل القوى في المكتب التنفيذي دفع بعناصر غير مؤهلة وضعيفة ، كما أن المجلس لم يجد الدعم
الذي يمكنه من القيام بمهامه ، وأصبح له ضرة تنافسه العمل في نفس الساحة ولتحقيق نفس الأهداف ، كما لم يف الأصدقاء
بتعهداتهم بتوفير التمويل لبرامج المجلس الوطني ، وبالتالي أصبح مكبلا ولم تكن له موارد ذاتية تعينه على الانطلاق والتخلص
من تلك الكوابح والمعيقات المالية والسياسية وغيرها ..
مهما يكن من أمر فان المجلس الوطني تنتظر اجتماعه العديد من الأجندة منها ما يلي :-
تفعيل المكتب
التنفيذي :
لقد وجهت انتقادات لاذعة الى المكتب التنفيذي للمجلس الوطني ، واتهم بالتقصير والضعف وعدم
الفاعلية .. والحقيقة أن طبيعة تكوينه ونظام المحاصصة في تشكيله وتباعد أماكن تواجد أعضائه ، وشح موارده .. جعل من العسير
عليه الالتقاء عند الحاجة لذلك ، وانعكس كل ذلك على أدائه بشكل عام . ولتفعيل المكتب التنفيذي وزيادة فاعليته نرى أولا :
أن تبادر منظمات المجتمع المدني بالتنازل عن حصتها في عضوية المكتب التنفيذي لصالح التنظيمات السياسية المتفرغة أصلا
للعمل السياسي ، وتكتفي بعضوية المجلس التشريعي فقط ، ثانيا : تشكيل مكتب تنفيذي مصغر من المكتب الحالي بدولة المقر على
غرار (مجلس وزراء مصغر) لإدارة العمل والبت في المستجدات .. وأن يتمتع أعضاؤه بالكفاءة والكفاية ، بمعنى أن تدفع
التنظيمات ممثليها فيه من ذوي التأهيل العالي والخبرة ، وأن يدعم هذا الاتجاه بتعديل النظام الاساسي أو اللائحة المنظمة
بحيث يعطي الحق لرئيس المكتب التنفيذي في مطالبة أي تنظيم باستبدال ممثله بآخر أكفأ منه ، بعبارة أخرى يحق لرئيس المكتب
التنفيذي قبول أو رفض ترشيح أي تنظيم لممثله ، حتى نضمن الانسجام بين أعضاء المكتب التنفيذي سلوكا وممارسة وكفاءة وفاعلية
..
ان دخول تنظيمات لم يحالفها الحظ في المرة الفائتة في تنفيذية المجلس وبما لها من خبرات
قد يساعد في تفعيل وزيادة قدرة المجلس في التحرك والتأثير ..
العلاقة بالتحالف :
كان للتحالف القدح المعلى في الجهود التي أوجدت المجلس الوطني ، بدءا بملتقى الحوار
الوطني ، ثم الشراكة مع منظمات المجتمع المدني في مفوضية التغيير الديمقراطي ، وصولا الى مؤتمر الحوار بأواسا ، وكان
منتظرا أن تبدأ مرحلة جديدة في العمل المعارض بانخراط الجميع تحت مظلة وحيدة وجامعة هي المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي
، ولكن التحالف وتحت ذرائع مختلفة بقي متشبثا بوضعيته ، وأصبح عسيرا عليه التخلي عن سلطته !؟. ولم تكن أي من تلك المبررات
التي سيقت بالمقنعة ، لأن رأسين كما يقال أغرقا المركب !. رأسان يعملان في مجال واحد ولتنفيذ أهداف واحدة ، فضلا عن أنه
يعطي انطباعا بانقسام الساحة السياسية ، فانه يبدد الجهود والموارد ، وربما حصل التنافس غير الحميد ومن ثم التصادم
والتناطح المفضي الى ضياع المشروع الوطني للخلاص برمته ؟!. وما يترتب عليه من خطيئة اطالة أمد معاناة شعبنا !.
ان قرار الحزب الاسلامي الارتري بتجميد عضويته في تنفيذية التحالف كان قرارا صائبا تجاوز
المصلحة الحزبية الضيقة ، ولقي التقدير من جماهير الشعب الارتري ، كذلك بيان المؤتمر الاسلامي المنادي بعقد مؤتمر طارئ
لمراجعة قرار استمرار التحالف بوضعيته الحالية ، وما رشح من قرار مؤتمر جبهة الانقاذ الارترية بتصويب وضعيتها في التحالف
لهو الآخر يعضد الاتجاه نحو تقوية المجلس الوطني وجعله المظلة الوحيدة والفاعلة للمعارضة الارترية .
مطلوب ، الآن أكثر من أي وقت مضى ، من التحالف حل تنفيذيته لصالح وحدة المعارضة الارترية
، وضم جهوده الى جهود المجلس الوطني والعمل من خلال تنفيذيته لانجاز الأهداف المتفق عليها في الميثاق المقر في مؤتمر
أواسا .
ومطلوب كذلك من المجلس الوطني أن يحدد وبوضوح علاقته بتنفيذية التحالف ، وألا يقبل بمنافس
له ، وهو المفوض لقيادة المعارضة في هذه المرحلة ، وأن يقوي من هياكله وآلياته ويتحرك بفاعلية تلبية لرغبة الجماهير في
الوصول الى التغيير الديمقراطي المأمول .
العلاقة باثيوبيا :
على المجلس الوطني أن يحدد بدقة نوع ومستوى علاقته بالجارة اثيوبيا كدولة صديقة ومنفردة
بالإمساك بملف المعارضة الارترية ، وأن يطلب منها بشدة الوفاء بتعهداتها بدعمه ، والتخلي عن تفريخ أجسام منافسة ومعيقة
للمجلس ، ومبددة للجهود الوطنية للتغيير الذي ينتظر أن ينعم به ليس الشعب الارتري فحسب بل كل شعوب المنطقة ، اذاً دعم
المجلس الوطني من قبل اثيوبيا ودول المنطقة هو واجب وطني لتلك الدول ، فضلا عن أنه دعم للأمن والسلم الدوليين وفقا لميثاق
الأمم المتحدة ..
ان الفرصة مهيأة لإثيوبيا لتحسين صورتها في ذهن الشعب الارتري كمستعمر سابق لا يريد الخير
إلا لنفسه ، من خلال القبول بمخرجات مؤتمر أواسا ، وترجمة ذلك بتوفير الدعم المادي والسياسي للمجلس الوطني ، وتقديمه
لحكومات ودول المنطقة وللمنظمات الاقليمية والدولية .. ومن خلال ابداء حسن النوايا بالكف عن فرض آرائها ، وممارستها الضغط
الذي يفهم منه انحيازها لإحدى المكونات !. وارباك الساحة بمزيد من التنظيمات والكتل السياسية والفئوية ، وإعمال النظرة
الاستراتيجية التي تستوعب المصالح المشتركة ، ولا تعلي المصلحة الذاتية لها فقط !.
ان القلق يساور قطاع كبير من الشعب الارتري من التحركات المنفردة لإثيوبيا ولا سيما ما
يسمى بالدبلوماسية الشعبية لانجاز المصالحة الشعبية التي لم يكشف عن مراميها وأبعادها ؟!. ان اشراك القوى السياسية
والمجتمعية الارترية في كل المراحل هو ضمانة لنجاح تلك الجهود وخدمتها لكلا الشعبين على قدم المساواة ، الأمر الذي من
شأنه تصويب العلاقة المستقبلية وتوطيدها لصالح الشعبين في جو سليم ، تشيع فيه النوايا الصادقة ..
موضوع قرنليوس :
ان تخرصات قرنليوس ومساسه الفج بالرمز الوطني السامق مفجر الثورة الارترية المسلحة حامد
ادريس عواتي كان محل استهجان وإدانة من جميع القوى الوطنية السياسية منها والشعبية ، ونال التحالف من قراره بتجميد تنظيم
قرنليوس استحسان الجماهير ، دون أن يكون في ذلك اشارة خضراء للاستمرار في وضعيته كند للمجلس الوطني !.
ينتظر كذلك من المجلس الوطني في اجتماعه الدوري هذا اتخاذ قرار قوي يلبي رغبة جماهير
الشعب الارتري في الثأر ممن اساء اليها وجرح كبريائها بالنيل من رمزها المقدس مفجر ثورتها ولن تقبل هذه الجماهير بتمييع
القضية بحجة حرية الرأي ، فحرية الرأي والتعبير لا تعني بأي حال من الأحوال المساس بالمقدسات وطنية كانت أم دينية !.
اذن لن تقبل جماهير الشعب الارتري بغير عزل وإبعاد تنظيم قرنليوس نهائيا عن عضوية المجلس
الوطني وعن الساحة السياسية ..
ومن المأمول ألا يستجيب المجلس الوطني لضغوط بعض التنظيمات المستقوية بالأجنبي !. ولا
يقبل إلا بإبعاد قرنليوس صفر اليدين وخاوي الوفاض من أي ممتلكات أو كسب مادي يخرج به فان في ذلك ، ان تم لا سمح الله ،
مكافأة له لا يستحقها ، كما أن فيه اهانة لكرامة الشعب الارتري !.
تمويل برامج المجلس
الوطني :
ان من بين المعيقات الكثيرة التي واجهت المجلس الوطني ، معضلة كبيرة وعقبة كؤود ، لم
يتمكن المجلس من اجتيازها بعد ، تنتظر من اجتماعه هذا خطة محكمة وتدابير جادة تعبر به حالة الركود الى النشاط والفاعلية ،
وهي معضلة التمويل لبرامجه ونشاطاته ، حيث من المتوقع أن يقر سياسة الاعتماد على الذات ، بمعنى التوجه الى جماهير الشعب
الارتري وقواه السياسية والمجتمعية وتنظيماته ومنظماته لاستقطاب الدعم المالي اللازم ، في شكل تبرعات سخية ، واشتراكات
دورية ، فهي عنوان الالتزام الوطني ومعيار كفاية أي تنظيم واستحقاقه التمتع بعضوية المجلس الوطني ، ومن ثم شرف النضال من
خلاله ، ان الاعتماد بالدرجة الأولى على الذات في التمويل يحرر القرار ويخفف من الاستجابة للضغوط الخارجية للجهات المانحة
!.
وهذا لا يمنع بطبيعة الحال ، المجلس الوطني من التوجه الى الأصدقاء في المنطقة خاصة دول
ثورات الربيع العربي التي بدأ زيارتها بمصر ، لكسبها الى جانب قضيته العادلة والحصول على دعم مادي وسياسي منها ، يؤسس
لشراكة مستقبلية عند لحاق ارتريا بركب تلك الثورات الظافرة بعون الله تعالى ..
ان على المجلس الاستفادة من قيادته الموزعة على القارات في خلق وتوثيق العلاقات من خلال
آلية تنسيقية ترتبط بـ (المكتب التنفيذي المصغر) المشار اليه سابقا .
الجانب الاعلامي :
ان من المجالات المهمة وذات التأثير البالغ في عملية التغيير الديمقراطي ، (المجال
الاعلامي) وعلى المجلس الوطني أن يوليه عناية خاصة ، بحيث يستقطب له كادر متخصص يتمتع بالكفاءة والخبرة ، ليدير كافة
الوسائط (قناة فضائية وإذاعة وموقع الكتروني ونشرات ودوريات ...) باحتراف وتناغم ليوصل صوت المعارضة الارترية الى
الجماهير بالداخل والخارج والرأي العام العالمي ، ويعمل على التعبئة والتوعية وتقوية النسيج الوطني وكشف وتعرية النظام
الدكتاتوري وحشد كافة الجهود والطاقات لإسقاطه وإحلال البديل الديمقراطي الحق .
ان اختيار الوسيلة الاعلامية المناسبة ، وبالأدوات والبرامج المناسبة ، لمخاطبة الجماهير
في الأوقات المناسبة ، هي المطلوب مراعاتها في الخطة الاعلامية حتى لا تضيع جهود الاعلام سدى وهباء .
الرهان على الحراك الشبابي :
ان الحراك الشبابي الذي انتظم الارتريين بالمهجر ونسيم الربيع العربي الذي لمس اهابه ،
وبما للشباب من طاقات وغيرة وطنية ، هو المعوَّل عليه بالدرجة الأولى في اعتقادي ، وهو الذي ينبغي على المجلس الرهان عليه
، وعليه في اجتماعه هذا الخروج برؤية واضحة للتعامل مع اتحاد شباب دبر زيد ، فإما يكون أحد مكوناته وفروعه الفئوية ، وإما
التعامل معه كمنافس له في الساحة ، اذا ما نحا به من أوجده نحو استقلاله وصيرورته كيانا قائما بذاته ؟!.
وفي كل الأحوال لابد أن توجه برامج المجلس للتعبئة السياسية نحو الشباب للاستفادة من
حراكه في دفع عجلة العمل الارتري المعارض نحو غاياته المرغوبة .
ختاما: نأمل أن يوفق المجلس الوطني في التعامل الايجابي مع الملفات والموضوعات الموضوعة
على طاولته ، ويتخلص من المعيقات والكوابح ، لينطلق متحدا ، وببرامج جيدة ، لمقابلة متطلبات المرحلة ، وبآليات ناجعة ،
تحسن التعامل مع الواقع ، وتستقطب رضا الجماهير الارترية وسندها لأجل الاتيان بالتغيير المرغوب بدعمها ولمصلحتها ، وبذلك
يكون عند حسن ظنها ومحل ثقتها ..
وما التوفيق إلا من عند
الله وهو الهادي الى الرشاد ،،،،،علي عبد العليم :
alialawe2000@hotmail.com