التزوير العلني للتاريخ .

إنها ليست سرقة وإنما هي عملية سطو

عثمان صالح

كثيرة هي المظاهر والممارسات والمواقف التي تبرز محاولات زمرة الشعبية لتزوير التاريخ الارتري . هذه المحاولات صارت الآن منهجا ثابتا بغية (مطها) واسقاطها على كل جوانب الحياة السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فبعد مرحلة تجرنة اللغات ، وتزييف الملامح الشعبية والشخصية المميزة للمكونات الارترية ، والتغيير الديمغرافي. ظهر (المستخبي) –كما يقول الأخوة المصريون- في غياهب نوايا وذاكرة مجموعة (سلفي ناظنت) بالهجوم العلني المضاد على التاريخ . وفي سياق هذا المسعى أخذ هؤلاء يتعاملون مع مرحلة حساسة من التاريخ الارتري بدون حياء.

ونقول بدون حياء لأن التاريخ (الكفاح المسلح)الذي يحاولون تزويره ليس موغلا في الخارطة الزمنية من ناحية ما يزال حاضرا بكل تفاصيله ، كما أن بعض الذين ساهموا في صناعة أحداثه وتوجيه مساراته ما يزالون أحياء بيننا يرزقون ، وبالتالي فان تفاصيله ماتزال بيننا ماثلة بكل وضوحها وحرارتها وعنفوانها وبكل آلامها وآمالها. وهو من ناحية أخرى ينافي طبيعة نظام الشعبية وعلاقته بالشعب الارتري ، فهذه الزمرة هي غير أمينة على حياة ومصالح الشعب الذي تدير أمره فقد ظلت تفتح عليه أبواب المصائب باستمرار وأغرقته في محن وجلبت عليه الكوارث من كل حدب وصوب حتى صار زمانها أسوأ من عهود الاستعمار. ومن باب أولى أنها لا تؤتمن على المحافظة على تاريخه وعليه فان هذا النواع من الادعاء ينزع عنها الحياء.

ففي مقابلة نشرها موقع مخابرات نظام الشعبية (Hornofafrica) المسخرة له بعض أصابع المغفلين النافعين من أبناء المكونات التي يحاربها النظام بوضوح ، بتاريخ 21/5/2013م مع أمين حزب اسياس الأمين محمد سعيد ، يتجلى تجنى هذه العصابة الجائرة على تاريخ الثورة الارترية ومسيرة الكفاح المسلح في صورة  تفضح أصحابها وتوضح دون لبس كيف أن الحقد بلغ منتهاه وكيف دفع التعصب والانغلاق هذه الفئة المنحرفة الى ارتكاب هذا الظلم الكبير بحق تاريخنا الوطني وحتى بحق أنفسهم هم . فالسوآل الذي استهلت به المقابلة يحمل في طياته الكثير من التزوير لنضالنا حيث يقول(Mr. Alamin Mohammed Seid, we would like to begin our question with the first stage of our struggle 1977-1987).

الترجمة الحرفية لهذا السوآل هي : السيد الأمين محمد سعيد نود أن نبدأ موضوعنا بالمرحلة الأولى لكفاحنا 1977-1987.

أولا إن عبارة كفاحنا(our struggle) في هذا السوآل لا تشير الى الشعبية (التنظيم) فقط لسببين أولهما إن الشعبية -التنظيم - وابواقها وادواتها اعتادوا على احتكار تمثيل الشعب الارتري منذ البداية ولم يعترفوا يوما ان المشروعات السياسية الأخرى في الساحة تمثل الارتريين بل دأبوا على نكران وجود قوى سياسية أخرى في ارتريا وهو موقفهم سابقا وحاليا الذي يصدق عليه وصف  محاولة تغطية الشمس بغربال .  وثانيهما إن الشعبية (السلطة) ملزمة بتمثيل الشعب الارتري قانونا-على الأقل نظريا- من موقع الحكومة الذي تشغله وتحمي به نفسها. ولذلك لا يمكننا إلا أن نصرف الضمير المتصل (نا) في كلمة كفاحنا إلا الى عموم الشعب الارتري.

من هنا فإن التزوير في هذه المقدمة لا يحتاج الى اجتهاد لاستخراجه حيث إنه يعتبر العام 1977 الذي عقد فيه تنظيم الشعبية مؤتمره الأول وخرج به الى العلن اسم الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا في الساحة الارترية ، يعتبر هذا العام هو بداية المرحلة الأولى للكفاح المسلح الارتري وبصريح العبارة(first stage) .إذن كم من سنوات الكفاح المسلح رمى بها هذا التحديد خارج سلسلة التاريخ النضالي لشعبنا؟ إنها(16) سنة كاملة بكل بطولاتها وتضحياتها بكل مراراتها وانتصاراتها وانعكاساتها السلبية والايجابية. إنها جريمة بكل المقاييس أن ترمي زمرة الشعبية أكثر من نصف سنوات الكفاح المسلح .أي حقد هذا على هذا الشعب ونضالاته وتضحياته. والمؤلم حقا إن المسئول ظلم نفسه أيضا عندما لم يصحح هذا الخلل الكبير ورضي مقابل رضى أصحاب منهج التزوير عنه بتجاهل سنوات نضاله هو نفسه التي قضاها مناضلا في صفوف الثورة قبل هذا العام 1977م الذي اعتبروه بداية للثورة. إن الشعبية تكشف كل يوم عن قبحها أمام أبناء الشعب الارتري. وتتعسف في التلاعب بحقوقه الوطنية في التعبير عن نفسه فنراها تتخبط  ولا توفق حتى في التعبير عن ذاتها لأنها تسعى الى المستحيل وتطلب ما لا يستطاع لأنها تريد أرضا بلا شعب وشعبا بلا ذاكرة ولا هوية ولا تاريخ وليس في ارتريا من هذا شيء.